اغتيال العاروري- تصعيد إسرائيلي يُنذر بحرب إقليمية أوسع

المؤلف: سعيد السني11.23.2025
اغتيال العاروري- تصعيد إسرائيلي يُنذر بحرب إقليمية أوسع

في ظل الخسائر الموجعة التي يتكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي على أرض غزة، على يد المقاومة الفلسطينية الباسلة، أقدم على جريمة نكراء، حيث اغتال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والقائد المحنك للحركة في الضفة الغربية، الشيخ صالح العاروري (57 عامًا). وقد تم استهدافه بطائرة إسرائيلية مسيرة، في مساء يوم الثلاثاء، في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك بقصف صاروخي غادر، أسفر عن استشهاده مع ستة آخرين.

إن عملية تصفية "العاروري" تمثل ضربة قاصمة ومزدوجة، ليس فقط لحركة حماس، بل أيضًا لحزب الله اللبناني، إذ جرى استهدافه في مكتب الحركة الواقع في "الضاحية الجنوبية" ببيروت، والتي تعتبر معقلًا حصينًا للحزب، الأمر الذي يعكس أن العاروري ومكتبه كانوا تحت ضيافة وحماية الحزب.

جدير بالذكر أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كان قد استشعر خطرًا مماثلًا، وحذّر إسرائيل في وقت سابق من مغبة استهداف أي فلسطيني، أو سوري، أو إيراني على الأراضي اللبنانية، خاصة وأن إسرائيل قد اعتادت على استهداف شخصيات إيرانية مرموقة على الأراضي السورية، كان آخرهم القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال رضا الموسوي، الذي اغتالته قبل أيام معدودة.

قرصنة وجُبن وغدر

ولكن، ما الأسباب الكامنة وراء إقدام إسرائيل على هذه الجريمة الشنعاء باغتيال "العاروري"؟ وما هي التداعيات والنتائج المتوقعة لهذه العملية الإسرائيلية الجبانة؟

إن "الكيان" يواجه أزمة حقيقية، وإخفاقًا عسكريًا ذريعًا، بات واضحًا وجليًا للعيان أمام العالم أجمع، وذلك في ظل التراجع الملحوظ في أداء جيش الاحتلال في ميدان القتال في غزة، حيث فشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، سواء القضاء على حركة حماس، أو تفكيك قدراتها العسكرية، أو تحرير الأسرى.

كما أن الضربات الموجعة والمتلاحقة التي تتلقاها قوات الاحتلال من قبل المقاومة، قد كشفت عن مدى هشاشة هذا الجيش الذي طالما تفاخر بقوته. ولهذا، لجأ الاحتلال إلى الحل الأسهل والأكثر دناءة، ألا وهو القرصنة والجبن والغدر، باغتيال القيادي البارز في حركة حماس، الشهيد صالح العاروري، تمامًا كما يفعل مع المدنيين العزل، حيث يتوحش ويتجبر ويقتل الأبرياء بالقصف الجوي الهمجي.

ينظر الإسرائيليون إلى الشهيد صالح العاروري باعتباره أحد العقول المدبرة لعملية "طوفان الأقصى" البطولية، وأنه كان همزة الوصل والمنسق الفعال بين حركته (حماس) من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى.

نواة كتائب القسام

وإلى جانب إشراف العاروري على الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية، فإنه يعتبر من المؤسسين الأوائل لكتائب القسام، حيث أطلق نواتها الأولى في الضفة الغربية عام 1991. كما أن للعاروري مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات في حركة حماس، فقد قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال، بلغت 18 عامًا، وذلك منذ عام 1990، حتى تم الإفراج عنه وإبعاده قسرًا خارج الأراضي الفلسطينية عام 2010.

وبعدها، تم اختياره عضوًا في المكتب السياسي لحركة حماس، ثم نائبًا لرئيس المكتب السياسي للحركة عام 2017. كما شارك العاروري بدور فعال في إدارة المفاوضات المتعلقة بصفقة الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس، جلعاد شاليط عام 2011، بوساطة مصرية، والتي تم بموجبها الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني كانوا يقبعون في سجون الاحتلال.

هذه الأسباب وغيرها، جعلته هدفًا رئيسيًا للكيان الصهيوني، وقد تداولت وسائل إعلام عبرية اسمه في شهر أكتوبر الماضي، ضمن قائمة تضم ستة من قادة حماس، الذين يسعى الاحتلال لاستهدافهم.

 سياسة الاغتيالات

إذا كانت هذه هي الدوافع التي أدت إلى استهداف العاروري، فإن "الكيان الصهيوني" دائمًا ما يلجأ إلى سياسة الاغتيالات الجبانة، التي تستهدف قادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، سواء في الأراضي المحتلة أو في الخارج، وذلك بهدف تصفية المقاومة ذاتها، والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

إن الكيان الصهيوني لم يتخل يومًا عن نهج الاغتيالات، فقد اغتال على مدار نصف قرن من الزمان، العشرات من القادة من مختلف الحركات والمنظمات الفلسطينية، دون أن يتمكن من تصفية المقاومة، لأنها تعمد دائمًا إلى إعداد وتجهيز قيادات بديلة. وإذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تخلت عن الكفاح المسلح، فإن ذلك كان نتيجة لتغيرات فكرية أدت إلى السقوط في فخ "اتفاقيات أوسلو" المشؤومة قبل 30 عامًا.

رسالة إسرائيلية لحزب الله

بالنظر إلى التداعيات والنتائج المترتبة على عملية اغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري، فإنه من المتوقع أن تؤثر سلبًا على المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى، خاصة بعد أن باتت إسرائيل في وضع حرج، وتغرق في وحل غزة، حيث تكبدت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وسقط الآلاف من جنودها بين قتيل وجريح، وتدمرت العديد من الآليات المدرعة.

تجدر الإشارة إلى أن العاروري كان عنصرًا فاعلًا في الفريق الحمساوي المفاوض، الذي يسعى إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام صفقة تبادل الأسرى، والتي تجري بشأنها المفاوضات حاليًا بوساطة قطرية ومصرية.

لذا، فإن عملية الاغتيال قد تؤدي إلى توسيع نطاق الحرب، لتشمل المنطقة بأسرها، بين الكيان الصهيوني، ومحور المقاومة الممتد في لبنان واليمن والعراق، بالإضافة إلى غزة، وهو ما ألمح إليه حزب الله في بيانه، تعقيبًا على عملية الاغتيال، والذي توعد فيه بالرد والانتقام.

إن إسرائيل، باغتيالها صالح العاروري في قلب "الضاحية الجنوبية"، التي تعتبر المعقل الأمني لحزب الله، تسعى إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة للحزب، مفادها أن عناصره وقادته ليسوا بمنأى عن نيرانها وأيديها، خاصة وأنها سبق لها اغتيال القائد العسكري البارز في الحزب، عماد مغنية عام 2008، في سوريا.

استدراج أميركا لضرب إيران

قد يكون الاحتلال الصهيوني، ساعيًا من خلال هذه الجريمة، إلى استفزاز حزب الله، وتوسيع نطاق الحرب، بهدف استدراج إيران، وبالتالي الولايات المتحدة الأميركية، لضرب إيران والقضاء على حزب الله، أو على الأقل إبعاده إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لتأمين المستوطنات الواقعة في شمال الأراضي المحتلة على الحدود مع لبنان. وغالبًا، لن يتمكن حزب الله من السكوت على هذه "الإهانة" التي تمس كرامته وهيبته، وإلا فإنها ستتكرر وتطال قادته.

وبشكل عام، يصعب التنبؤ بالتداعيات الكاملة لهذا الحدث الجلل، فالولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في أن تشتعل المنطقة، ولكنها تصرفت بحماقة عندما لم تردع إسرائيل عن عدوانها الغاشم على قطاع غزة. والآن، يتعين على أميركا أن تختار، إما المضي قدمًا نحو الانزلاق في رمال الشرق الأوسط المتحركة، والانشغال عن مواجهة التنين الصيني، وعدوها التاريخي روسيا، وإما إطفاء الحريق الذي ساهمت في إشعاله بدعمها الأعمى والشامل للكيان الصهيوني.

الشيخ الشهيد صالح العاروري، ولد في بلدة عارورة بالقرب من مدينة رام الله الفلسطينية المحتلة (عام 1966)، وهو خريج كلية الشريعة الإسلامية. انضم إلى حركة حماس، عقب تأسيسها على يد الشيخ أحمد ياسين عام 1987، لتكون حركة مقاومة.

لروح الشهيد العاروري السلام، ولكل شهداء المقاومة الأبرار.

 

 

 

 

 

 

 

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة